القائمة الرئيسية

الصفحات

[LastPost]

 مدى شدة حفظ ابي هريره



تَربّى السَّلفُ الصالحُ على الحذَرِ والاحتياطِ في الرِّوايةِ عن رَسولِ اللهِ ﷺ؛ فإنَّ الرِّوايةَ عن رَسولِ اللهِ ﷺ أمْرٌ جَلَلٌ، ولها مَكانتُها العَظيمةُ.

وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه شِدَّةَ ضَبْطِه وإتقانِه، حيثُ شغَلَ فِكرَه بأفعالِ النبيِّ ﷺ حتّى ضبَطَها، بخِلافِ غيرِه؛ يقولُ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «يقولُ النّاسُ: أكثَرَ أبو هُريرةَ!» يعني في الرِّوايةِ عن النبيِّ ﷺ؛ وذلك على سَبيلِ اللَّومِ والإنكارِ، فاستدَلَّ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه على صِحَّةِ ما يَفعلُ بأنَّه حَفِظَ ما لم يَحفَظْه غيرُه، وحَكى قصَّةً حدَثتْ له مع أحدِ الصَّحابةِ؛ فأخبَرَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَقِيَ رجُلًا -ولم يَذكُر اسمَه- فسَأَلَه: بِمَ قرَأَ رسولُ اللهِ ﷺ أمسِ في صَلاةِ العِشاءِ؟ فقال: لا أدْري ما قرَأَ، فقال لهُ: ألمْ تُصَلِّها مع النبيِّ ﷺ؟ فقال الرَّجلُ: بَلى شَهِدتُها وصَلَّيْتُها، ولكنْ كأنَّه اشتَغَل بغيرِ أمْرِ الصَّلاةِ حتى نَسِيَ السُّورةَ التي قُرِئَتْ، فقال أبو هُرَيرةَ: «قلتُ: لكنْ أنا أَدْرِي؛ قرَأَ سُورةَ كذا وكذا»، وأخبَرَه بما قرَأَ رسولُ اللهِ ﷺ في الصَّلاةِ، ومُرادُ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: أنْ يُبَيِّنَ للنّاسِ امتيازَه عن غيرِه بضَبْطِ أُمورِ النبيِّ ﷺ، واعتنائِه بها، وحِفظِه لها، وإذا كان كذلك، لم يُستبعَدْ أنْ يكونَ قد حَفِظَ ما لم يَحفَظْهُ غيرُه. وقد بيَّنَ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه في رِوايةٍ للبُخاريِّ أنَّ سَببَ إكثارِه مِن الرِّوايةِ عن رَسولِ اللهِ ﷺ -إلى جانبِ طُولِ مُلازَمتِه لرَسولِ اللهِ ﷺ، وحِرصِه على حِفظِ حَديثِه ﷺ- هو خَوفُه مِن كِتمانِ العِلمِ، وقد تَوعَّدَ اللهُ تعالى مَن يَكتُمُه بأشدِّ الوعيدِ في قولِه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ والْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ * إِلّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنا التَّوّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159، 160]. وأيضًا مِمّا يُبيِّنُ سَببَ حِفظِه وعدَمِ نِسيانِه لحَديثِ النبيِّ ﷺ: ما في صَحيحِ البخاريِّ عَن أبِي هُرَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قالَ: «قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أَسْمَعُ مِنكَ حَديثًا كَثيرًا أَنْساهُ؟ قالَ: ابْسُطْ رِداءَكَ فبَسَطْتُه، قالَ: فغَرَفَ بيَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: ضُمَّه! فَضَمَمْتُه، فما نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَه».

وفي الحديثِ: إتقانُ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه، وشِدَّةُ ضَبطِه للحديثِ.

وفيه: مَشروعيَّةُ الإكثارِ مِن الرِّوايةِ عن رَسولِ اللهِ ﷺ لمَن كان ضابطًا لِما يُحدِّثُ به.


reaction:

تعليقات