القائمة الرئيسية

الصفحات

[LastPost]

معجزة النبي مع ابو هريرة



 كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآلُ بَيتِه يَعيشون حياةَ تَقَشُّفٍ وزُهدٍ؛ إيثارًا للحياةِ الباقيةِ على الدَّارِ الفانيةِ، وكذلك كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم يعيشون في شِدَّةٍ من العَيشِ، ولكِنَّهم صبروا وحَسُن صَبرُهم، تأسِّيًا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حتى فتح اللهُ عليهم الفُتوحَ واتَّسَعَت، وجاءتهم الدُّنيا وهي صاغِرةٌ، فجعلوها دارَ عَمَلٍ وزَرعٍ للآخِرةِ.

◀️وجدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَنزِلهِ لَبَنًا في قَدَحٍ، وهو إناءٌ من فخَّارٍ،  فأمر أبا هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أن يذهَبَ مُسرِعًا مُنطَلِقًا إلى أهلِ الصُّفَّةِ يدعوهم، وهم جماعةٌ من الفُقَراءِ والمساكينِ كانوا يُقيمون في الصُّفَّةِ، وهي مَكانٌ جَعَلهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للفُقراءِ في المَسجدِ.

ف أهلَ الصُّفَّةِ أضْيافُ الإسلامِ، لا أهلَ لهم يلجؤون إليهم، ولا مالَ لهم يملِكونه، ولا يَنزِلون أضيافًا على أحدٍ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أتَتْهُ صَدَقةٌ من طعامٍ أو شرابٍ بَعَثَ بها إليهِمْ يَخُصُّهُمْ بها، ولَمْ يَتناولْ منها شَيئًا، وإذا أتَتْهُ هَدِيَّةٌ أرْسَلَ إليهمْ لِيَحْضُروا عِندهُ، وأكل منها وشَرِبَ معهم، وأشْرَكَهم فيها.

⏮️ولكِنَّ أبا هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ساءه أن يطلُبَ منه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يدعوَ أهلَ الصُّفَّةِ -وهم كثيرٌ- إلى هذا اللَّبَنِ القليلِ، وقال في نَفْسِه: وما قَدْرُ هذا اللَّبنِ في أهلِ الصُّفَّةِ؟! كُنتُ أحَقَّ أنا أنْ آخُذَ وأشْرَبَ مِن هذا اللَّبنَ شَرْبَةً أتَقَوَّى بها، ثمَّ إذا جاء أهلُ الصُّفَّةِ أمَرَني، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَكنتُ أنا أُعْطِيهمْ ليَشرَبوا بعد أن أكونَ قد شَرِبتُ، وإنما فكَّر أبو هُرَيرةَ بتلك الطريقةِ؛ لأنَّه كان جائعًا وخشِيَ أن يشربوا اللَّبَنَ كُلَّه أو مُعْظَمَه إذا جاؤوا قبل أن يَشرَبَ هو، فلا يَصلَ إليه شيءٌ مِنَ اللَّبنِ بعْدَ أنْ يَكْتَفوا منهُ.

⏮️ ولكِنَّ أبا هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه توقَّفَ عن هذا التفكيرِ، وتدارك الأمرَ؛ لأنَّه لمْ يَكُنْ منْ طاعةِ الله وطاعةِ رَسولهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بُدٌّ، فلا مفَرَّ مِن تنفيذِ أمْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذهب إلى أهلِ الصُّفَّةِ ودعاهم، فَأقبَلُوا فَاسْتأذَنوا، فأذِنَ لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وجَلسَ كُلُّ واحدٍ منهم في المَجلِسِ الَّذي يَليقُ بهِ، فأمره النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يأخُذَ القَدَحَ فيُعطِيَهم لِيَشرَبوا، فأخذ أبو هُرَيرةَ القَدَحَ وبدأ يُعطيه الرَّجُلَ، فَيشربُ حتَّى يَرْوَى ويَشبعَ، ثُمَّ يَرُدُّ القَدَحَ بعد أن يشرَبَ، ثمَّ يعطيه الرَّجُلَ الَّذي يَليهِ حتَّى انتهى الدَّورُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقَدِ ارتوى القَومُ كُلُّهم بعد أن شَرِبوا، فَأخذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القَدَحَ، فَوَضعهُ على يَدِهِ الكَريمةِ.

فَنظرَ إلى أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه فَتَبَسَّمَ، وقال: أبا هِرٍّ، فأجابه أبو هُرَيرةَ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ الله، قال: بَقِيتُ أنا وأنتَ.

🔅 فقال: صَدَقْتَ يا رَسولَ الله. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي هُرَيرةَ: اقْعُدْ فاشْرَبْ، فَقعَدَ أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه فَشَرِبَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اشْرَبْ، فَشَرِبَ، فما زالَ يَقولُ: اشْرَبْ حتَّى قال أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: لا، والَّذي بَعَثَكَ بِالحقِّ ما أجِدُ له مَسْلَكًا، أي: شَبِعْتُ وامْتلأتُ ولا يُوجدُ مَكانٌ في بَطني للمَزيدِ! فأمره النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُعطِيَه الإناءَ، فأعطاه له أبو هُرَيرةَ.

🔅فَحَمِدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اللهَ عزَّ وجلَّ على البَركةِ وظُهورِ المُعجِزَةِ في اللَّبَنِ المَذكورِ؛ فقد شَرِبَ القَومُ كلُّهم وأفْضَلُوا، وسَمَّى اللهَ وشَرِبَ الفَضْلَةَ، وهي الكَمِّيَّةُ المتبقِّيةُ بالإناءِ.



reaction:

تعليقات